"الدولة المستحيلة في إفريقيا.. مسارات متناقضة".. مأزق البدايات
عمّان-
يسعى الكتاب الصادر عن "الآن ناشرون وموزعون" بعمّان، بعنوان "الدولة المستحيلة في إفريقيا.. مسارات متناقضة" لمؤلفه د. حمدي عبد الرحمن حسن إلى اكتشاف وتحليل المسارات المتناقضة التي سلكتها الدولة الإفريقية عبر مراحلها التاريخية المختلفة.
ويبين الباحث الحجة المركزية التي تقوم عليها رؤيته لطبيعة الدولة ودورها في إفريقيا والتي مفادها أن المصالح الغربية في "القارة السوداء" اتسمت بالثبوت، فهي تسعى- الدول الغربية- للوصول للعمالة الرخيصة المواد الخام والأسواق والهيمنة على الاقتصاد.
وفي الكتاب الذي يقع في 388 من القطع الكبير يهدي المؤلف جهده الدراسي لروح مواليمو علي الذي تميز برؤيته الفكرية، وهو صاحب مصطلح (الأفرابيا) الذي جسد مفهوم التراث الثلاثي لإفريقيا.
ويستهل المؤلف د. حسن الكتاب بمقدمة نظرية ضافية وموسعة حول مفهوم الدولة، وهو المفهوم الذي ظهر عالميا بعد معاهدة ويستفاليا (1648) التي تعتبر وثيقة ميلاد للدولة القومية بشكل عام، متسائلا عن هدف دراسة الدولة في إفريقيا ومغزى ذلك في فهم تشكل الدولة، وأبرز التحديات والإشكاليات التي تواجه الباحث قي دراسة الدولة. وخصوصا الدولة في إفريقيا.
ويرى المؤلف أن تطور الدولة في إفريقيا بحسب الدراسة يكشف عن التناقض والارتباك بسبب أن "لحظة التأسيس للدولة جاء وفق التطور اللامتكافئ في النظام الرأسمالي العالمي الذي انعكس في بنية الدولة التي اتسمت بالهشاشة السياسية، وبقيت رهينة خدمة المصالح الاستعمارية ورأس المال الأجنبي الذي ما يزال مستمرا حتى الآن.
ويلقي المؤلف الضوء على منهج الدراسة التحليلي، معاينا فكرة الدولة من المنظورين الأوروبي والإفريقي، لافتا خلال ذلك إلى مفهوم الأمة من الوجهة التاريخية والسياسية.
وفي الدراسة التي تشتمل على خمسة أبواب وخاتمة يدعو المؤلف إلى إعادة تشكيل الدولة الإفريقية، متسائلا عن سبل التخلص من أمراض الدولة الإفريقية، مستدركا أن التحدي الأكبر الذي يواجه الدولة ما بعد الاستعمار يكمن في استشراء الفساد. فضلا عن طبيعة النظام الدولي المعولم الذي يشكل التحدي الأكبر.
وبعد المقدمة التاريخية في الباب الأول، يغوص المؤلف في الباب الثاني في مفهوم المجتمعات التقليدية وأنماطها، معرّجا على مجتمع اللادولة، ونشأة الدولة في أحضان الاستعمار، منتقلا في الفصل الثالث إلى الصراع على إفريقيا لسلب ثرواتها، مبينا أساليب الإدارة الاستعمارية وأنماطها بحسب مصلحة الدولة الاستعمارية وأنماط حكمها وفلسفتها في الإدارة وانعكاس ذلك على طبيعة الدولة الإفريقية.
ويبين أنماط تلك الإدارات الاستعمارية في عدد من الأشكال التي تمخضت عنها بعض الدول، ومنها: الدولة المصطنعة، الدولة التابعة، دولة الهيمنة الوسيطة، دولة بولا متاري. مبينا أساليب الإدارة الاستعمارية، ومنها: الألماني، البلجيكي، البرتغالي
ويلقي المؤلف في الباب الرابع الضوء على طبيعة الدولة ما بعد الاستعمار، وطبيعة الطبقة الحاكمة، متوقفا عند تشكيل الدولة وتطورها وأزماتها، ممثلا في دراسة على نموذج الدولة المنهارة (جمهورية الكونغو الديمقراطية أنموذجا)، معرجا على سنوات الحرب.
ويدرس المؤلف جملة من المفردات التي تتصل بالدولة والسياسة، الدولة والمجتمع، تعدد الأعراق، الدولة الهشة، الدولة والاقتصاد، الدولة المفترسة والدولة الريعية، دولة الظل ودولة أمراء الحرب، دولة الطبقة، لافتا إلى النموذج الرواندي ومفهوم الدولة التنموية، والأنموذج الليبرالي في غانا.
وفي الفصل الخامس والأخير يتطرق المؤلف إلى موضوع النخبة وتحدي العسكرة وتسليع السياسة وإشكالات العلاقات المدنية والعسكرية والجيش والسياسة، منتقلا إلى إعادة صياغة العلاقات ومرحلة الانتقال للديمقراطية ، ملمحا إلى "الربيع العربي" ودروس إفريقية .
ويعاين المؤلف صيغة العائلية السياسية في إفريقيا، مفسرا تطورها وملامحها، ثم التحولات "الشعبوية" وأزمة الحكم، والشعبوية والتحول الديمقراطي، ممثلا على بوركينا فاسو وأزمة النخبة الحاكمة.
تكمن أهمية الكتاب في داسته لمنطقة ما تزال تحظى بالاهتمام العالمي بوصفها منطقة للمصادر الطبيعية، ومنطقة مهمة على الصعيد الجيوسياسي، وهي منطقة ما تزال مجهولة للقارئ العربي، وتتسم الدراسة فضلا عن ذلك بشموليتها بين التاريخي والراهن، وتناول المفاهيم التي اتصلت بتجربة الحكم في إفريقيا ومأزقها وتحولاتها السياسية، وآفاقها الراهنة في ظل العولمة والتحولات السياسية في العالم .
يذكر أن الباحث المصري د.حمدي عبدالرحمن أستاذ العلوم السياسية بجامعتي زايد والقاهرة.
حاصل على شهادة دكتوراة الفلسفة في العلوم السياسية من جامعتي القاهرة وميرلاند الأمريكية بنظام الإشراف المشترك عام 1990.
أسس وأدار برنامج الدراسات المصرية الإفريقية بجامعة القاهرة خلال الفترة من 2000- 2002.
حائز على جائزة الدولة المصرية في العلوم السياسية عن كتاب «قضايا في النظم السياسية الإفريقية»، مركز دراسات المستقبل الإفريقي، القاهرة، 1998.
أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراة في العلوم السياسية في مصر وخارجها، وهو نائب رئيس الجمعية الإفريقية للعلوم السياسية في بريتوريا 2001-2005، وعضو المجلس الاستشاري للشبكة السويدية لدراسات السلام والصراع والتنمية.
له العديد من الكتب والدراسات باللغتين العربية والإنجليزية منها: "طريق القوة الناعمة: دولة الإمارات العربية المتحدة وإفريقيا"، 2019، "مصر وتحولات القرن الإفريقي: نحو شراكات تعاونية"، 2018، "إفريقيا وتحولات النظام الدولي"، 2017، "تحولات الخطاب الإسلامي في إفريقيا"، 2015.