لحسن ملواني : قسرية الكتابة
أرتاد الأسواق حين أرغب في ذلك ، أشتري أغراضي حسب قدرة جيبي ، أسوم أحيانا ولا أشتري ، أنأ حُرّ ... أحيِّي هذا أو ذاك حين أريد ،وحين لا أريد أحْجُم عن التحية ...أواصل رحلتي في السوق أو في الحديقة ...في السوق مجانا أتفرج على وجوه الخلق، فهذا يشتاق إفراح صبيِّه ولكنّ ما في الجيب هزيل ... وهذه تقود زوجها ...وذاك ينتظر من لم يدفع له مستحقه الأسبوعي ، أنا حُرّ في ملاحظة ما يجري في حلقات هنا أوهناك...
أغيّر اتّجاهي متى وحيثما شئت،ومتى أحسست بألم حرارة الشمس يَدِبُّ على رأسي ، أتخير وسيلة الرجوع ،فإما أن أعود راجلا عاصِباً رأسي وإما أتخير من الطاكسيات الصغير أو الكبير...أنا حر في وقت الدخول إلى منزلي صيفا أو شتاء .
أتخير مقهى الضجيج أو مقهى الهدوء أو مقهى البين بين...أنا حر في تحديد وقت نومي واستيقاظي، حر في اختيار العيادة التي يروقني تصَرّف الممرضين والممرضات فيها...
في المجالس أتحدث بحرية وجرأة ، ولو شئت ما تكلمت وما شاركت ... أختار بين القهوة والشاي والعصير...بين أن ألبس قميصا أو جلبابا ، أو بذلة قديمة أو جديدة...
أنا حر في كل ما سبق ،ولكنني أشعر أني لست حرا حين يجري أمر ما في داخلي ، آنذاك حين أريد الالتفات أكون وكأني ألمح صُدْفَةً فوهة مسدس كبير حذو أذني . أخاف ،وأصير حملا وديعا خائفا بمقربة ذئب جائع ... مرغما أنقاد إلى مكتبي ، فأنا لا أحب أن أقتل ،لا زلت أحب الحياة و العطاء ، لا زلت أطمح إلى بدائل كثيرة .
مرغما إذن أنقاد إلى مكتبي ، أضغط على زر معروف ، وبعد هنيهة يعرض علي حاسوبي القديم صفحة مضيئة فأغيب لحظات ، أحلق إلى ماضي القريب والبعيد، أنخرط في همومي وهمومهم وهمومهن ، أنفعل بانفعال يتيم ، أو أرملة ، يشتد غيضي إزاء هذا ،وأشفق على تلك الفتاة البريئة...الحاسوب مجد أمين يحرر ما سمعت وما عشت وما رأيت...
فجأة أعود من رحلتي القسرية ، أصير حرا فلا مسدس حذو أذني ...أستأنف حريتي
من جديد ...أسير وأشرب ، وأتفرج على الوجوه والعلاقات ، ,أشارك المجتمعين والمنفردين مناقشة أفراحهم وأحزانهم إن شئت وإلا انصرفت ...
أنا الآن أستشعر التنعم بالحرية من جديد، لكنني لا ولن أنسى أني بعد أيام قد لا تكون كثيرة، سأكون عبدا طائعا حين يبتلعني بحر الكتابة بكل قسْريّته وقهره..
*أديب مغربي