بائعة الوباء

فاطمة  لعبيدي : بائعة الوباء


سمعتْ من إحدى رفيقات السوء عن دخول مخدّر جديد رخيص تمّ جلبه من المكسيك ، يكفي أن يتناوله الشخص مرّة واحدة فقط ، ليصبح مدمنا عليه.

انفتحتْ شهيتها للإطراء السريع ، تركت عملها الشريف الذي كانت تكسب منه لقمة الحلال لعائلتها الصغيرة ، فتحولت إلى ناشرة وباء.

درست السوق جيدا ،أدركت أن ثروتها تمكن في جيوب تلاميذ الثانويات فلجأت إلى حيلة جهنمية.

صنعت كمية من حلوى " غْريبة " ، وقد دسّت في دقيقها  مقدارا كافيا من المخدر الجديد ، وأخذتها إلى مقهى يجاور إحدى أكبر ثانويات المدينة ، أخذت تعرضها على الطلبة مجانا ،بدعوى الإعلان والتعريف بالبضاعة ، فقط ، وكانت تشترط على كل تلميذ ألا يأخذ أكثر من قطعة واحد من الحلوى ، تشدد على ذلك ، كسبا للمصداقية.

وزّعت كل ما في صينيتها في اليوم الأول، فحصل جميع التلاميذ على " غْريبة " واحدة لا أكثر ،  باستثناء طالبة رقيقة جميلة حظيت بقطعتين، بإذن من صاحبة الحلوى ،إذ أقنعتها بأن القطعة الثانية ،  ستكون من نصيب إحدى زميلاتها ،التي لم تستطع الحضور.

في اليوم الموالي عادت بصينيتها ،وحين حفّها التلاميذ ، اشترطت عليهم ألاّ يأخذ بالمجان عدا الذين لم يحوزوا نصيبهم من الحلوى ، بالأمس، لكنها تغاضت عن من ادعوا عدم الاستفادة بالأمس.

بدورها الفتاة الجميلة حصلت على قطعتين من الحلوى ، للمرة الثانية ، على أنها الأخيرة ولن يتمّ تكرارها.

في اليوم الثالث، تعمدت بائعة الوباء الإبطاء في موعد توزيع الحلوى ، ولما وصلت وجدت الجماعة بانتظارها ، الكل متلهف وفي حالة من الجنون والهستيريا.

باعت لهم كل ما كان بحوزتها من حلوى " غْريبة " ، كانوا يختطفون القطع ،مصغين إلى البائعة ،وهي تردد على مسامعهم كلاما ذروة في الانتهازية ،يبطنه المكر والخبث ، باشرت تقول :

ـــــــــ  إن هذا الثمن يقل كثيرا عن التكلفة الحقيقية، وأنا أخسر معكم.

في اليوم الرابع ضاعفت الثمن، وضج بعض من لم يحضروا المبلغ الكافي،فسمحت لهم بالاقتراض .

من بين هؤلاء ، الفتاة الرقيقة التي أخذت ـــ كالعادة ـــ قطعتين واحدة لها والأخرى لزميلتها التي ترفض أن تظهر في الصورة.

في اليوم الخامس رفعت الثمن ،مدّعية غلاء المواد التي تتكون منها هذه الحلوى العجيبة والناذرة.

ضجّ المشترون ولكنهم تبضّعوا وابتاعوا ، بين المسدّد نقدا و المدين،ومنهم من رهن حاسبته أو مسجلته أو ساعته.

وحين نفذت بضاعتها ، وعدتهم أنها ستعود مساء ، محددة لهم الثمن وقد رفعت السعر ، بالطبع ، كي يضعوا ذلك في الحسبان فيجلبون المال الوفير الكافي لاقتناء المزيد من الحلوى.

غيّرت لهجتها معهم ، بعد أن تأكدت من أنهم أضحوا عبيد بضاعتها المخدّرة ، مدمنين ينتظرونها بلهفة وقلق وخوف من أن تخون الموعد ، وفوق ذلك بجيوب خاوية .'

عجزت الفتاة الجميلة ولم تستطع الشراء، شحب لونها وتغيرت طباعها ، وحين سألتها بائعة " غْريبة " عن زميلتها ، أجابتها بجفاف أنها تدرس في مؤسسة أخرى ،وكيف أنها اتهمتها بالكذب لما أخبرتها عن تزايد سعر الحلوى في كل مرة ، وها هي ذي أتت لتقف على الحقيقة بنفسها.

رفعت بائعة الوباء رأسها ، والصينية مثل لغم ، بين يديها ، لتُصدم برؤية ابنتها البكر التي طالما عقدت عليها الآمال ، وكدّست لأجل إكمال دراستها في الخارج ، الأموال  التي جنتها من الاحتيال والحرام.

كانت الفتاة البريئة ، تدنوا من والدتها ، بائعة الوباء، وقد انطفأ وميض عينيها ، وذبل ورد وجنتيها ، ولبس وجهها الطفولي، شحوب المدمنين.

*اوطاط الحاج ـــــــ 25/12/2019.

تم عمل هذا الموقع بواسطة