غرام

فضيلة التهامي الوزاني : غرام 


ذاك الصوت يستجدي كلمة في إلحاح:

ـــــــــــــ تكلمي مريم تكلمي.

ضباب صباحي يزحف نحو الرمال، يخترق الصفوف والدور والمقاهي،

ويحمل بين ذراته برودة ينشرها بين أضلع المسترخين فوق الكراسي الرمادية، اليد الممدودة على الطاولة تنتهي بمخالب حمراء، ذاك الصوت يردد في رجاء:

ـــــــ تكلمي مريم، ما بك  لا تتكلمين؟

تلك اليد الممسكة بالأنامل الطويلة تتخلل الأظافر الحمراء وتضغطها خوف أن تنفلت، صاحب اليد الممسكة، يمد نظره إلى المدى الأزرق، ينظر تلاشي خطوط الأفق مع شروق الشمس، الصمت الذي ساد للحظات بدت طويلة ينكسر مع انكسار صوته:

ـــــــــ تكلمي مريم، تكلمي حبيبتي.

تلك العينان تحيدان عن البحر إلى الوجه المختبئة ملامحه وراء خصلات الشعر المتمردة في قسوة.

الرجل بالجانب الأيسر من شرفة المقهى يغالب رغبة في الالتفات لرؤية العاشقين، يضع في مخيلته ملامح الوجه ذي الشعر المتمرد؛ استدارة البدر، وعيون المها، وشفاه مكتنزة وردية، ولمى تزين باطن الشفة السفلى. بداخله ينمو شعور بالشبق تجاه صاحبة الوجه المختفي، يستعير عيني الشاب ليراها ، يتمنى أن يكون مكانه وأن يمسك الأنامل الطويلة، وينهل من هذا الوجه الغارق في العشق، في خياله يمتحن قدرته على استنطاق تلك المريم.

ذاك الصوت لا يزال يستجدي جوابا من الشفاه التي يتخيلها الرجل الجالس إلى اليسار وردية مكتنزة:

ـــــــــ تكلمي مريم، أرجوك تكلمي مريمتي.

ــــــــ  لنفطر أولا.

يعلو صوت الفتاة حادا قاطعا الصمت، والرجل على اليسار يهتز من المفاجأة، يقاوم انفلات خيوط الأحلام بوجه حالم:

ــــــــــــــ ” جائعة ؟ ” لو أنها قالت كلاما أنعم، لا بأس، حتى الجميلات يقهرهن الجوع”؛ يبرر لنفسه.

يهب الشاب واقفا، ثم يختفي مسرعا بين الأدراج المؤدية إلى الطابق الأرضي، مستعجلا فطورا سيطلق لسان حبيبته. الرجل الجالس على اليسار تحركه الرغبة في اغتنام الفرصة لرؤية الوجه الحالم المختفي وراء الخصلات المتمردة، يسقط الولاعة  من يده وينحني لالتقاطها، يستدير نصف استدارة ناحية اليمين قبل أن يعتدل جالسا، شعور بالخيبة أعاده إلى جلسته الأولى، لا استدارة في الوجه، ولا عيون المها، ولا شفاه مكتنزة، بل هو طول في الوجه وبروز في عظمة الأنف، شفاه تمتد يمينا ويسارا، وجحوظ في عينين مع رموش مائلة إلى الخلف في قسوة، ملابس بألوان نافرة، وجوارب صوفية ونعل جلدي بال، لا شيء يوحي بجمال ولا تنسيق مع أجواء الصيف.

يغرق الرجل الجالس إلى اليسار وجهه في جريدته الصباحية، لكن يدا تمتد إلى ظهره، والصوت الذي كان مختبئا وراء الخصلات المتمردة، يعلن رغبته بشكل واضح:

ــــــــــ سيجارة من فضلك.

الأنامل ذات الأظافر الفاقعة الحمرة، تمسك بالسيجارة التي قدمها الرجل على اليسار. في انتظار إشعالها، تمد جسدها في اتجاه الولاعة، تأخذ نفسا ثم تنفث الدخان في الهواء، ترنو العيون ذات الرموش المائلة إلى الخلف في قسوة  إلى الرجل قائلة:

ـــــــ هل تذهب معي؟ هذا الأبله قد استنفذ وقته…

*أديبة من المغرب

تم عمل هذا الموقع بواسطة