الحسين أيت بها : " أفلاطون يصل متأخرا" ... سردية التيمات الموضوعاتية
إن المتأمل في قصص السارد ، يلمس بوضوح نزوعه نحو التصوف وعدم مخالطة الناس، لذلك يحتفي بوحدته في الكثير من مواضع مؤلفه، كيف لا وقد استقى لها عتبة مفجرة لكل تلك العوالم الصوفية؛ أفلاطون يصل متأخرا،
أفلاطون زمانه الأخير يحاكي فيلسوف تلك المدرسة الفاضلة، مدينة السعادة التي انتصر لها ذلك الفيلسوف الكبير، أفلاطون ذو الذكاء المتوقد والخيال الواسع، وتلميذ سقراط أب الفلسفة اليونانية. الذي أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض، وأغرقها في متاهات التفكير والحوار الفلسفي.
يغرف كاتبنا الجميل من بحر معرفة ليغوص بنا في عالم صوفي مثالي، محاكيا بذلك صاحب كتاب " الجمهورية العظيم أفلاطون.
السارد الهادئ يكتب في صمت، لايهادن الزمن، ولكن ينتصر عليه وعلى التفاهة، ليكسر حاجز المخملية بالكتابة، هي سبيله الوحيد نحو الظهور والسطوع ليعرفه من خلالها متتبعوه وقراؤه، يكتب عن الحب والسعادة، والصفاء لأن دواخله نقية طافحة بالخير يعيش في عالمه الخاص في منآى عن كل هذه الفضاعات والصراعات والبؤس الذي يملأ العالم.
إضافة إلى رهافة الحس، ودقة التصوير وصواب الحدس، وتلك والله لعمري من شيم الأدباء وطبائعهم.
نشير هنا إلى بعض التماتالموضوعاتية:
تيمة التيه والضياع؛ تتضح في قصصه وتظهر كعبارات لتدل على نفسيته المحطمة، يقول مثلا في قصة " اسأليها"، ص: 20
" أووف لا طالما استحر الخراب والتيه فينا معا".
وفي قصيدة عند منحى التيه" ص: 29، ينظر الشيخ متأملا في ملكوت الله فيحز في نفسه انصرام أيامه الخوالي، ينظر إلى الأفق متجاهلا مريده الغبي والجاهل كما سماه، ثم يقول " عند منحنى التيه كان لقاؤنا، واللحظة نفترق عنه".
في هذه القصة نكتشف ضياح الشيخ في تأملاته واكتشاف المريد شدة جهله.
تيمة الحب والسعادة: نجدها في نصف قصص المجموعة وهي كالتالي" حبيبي الموت" ص: 23، وحل السؤال ص: 39 ، وتبت يد الوجد ص: 48. واستحم بالوجد ص: 59، يقول:
" حبيبتي، إن حبي مستخف في قلبي كالسم ذي طعام شهي" ص: 59،
هو احتفاء بالحب ورفعه إلى مقام صوفي تأملي.
تيمة الموت: حيث يصل الحب إلى درجة الموت فاقد الاحساس، والفناء بعد انقطاع اللذة، هي موضوعة تدخل ضمن سؤال القلق الوجودي.
يقول في قصة " أفلاطون يصل متأخرا، ص: 84.
ونحن في رعشة العشق ومقام الفناء لا يهمني أن أحتضر في كف الدجى ولا في بطن الرحى".
تيمة الحمق والوهم: وكما تمتزج الوحدة بالصمت القاتل، عند السارد فلابد أن يكون للحمق والجنون نصيب بل هي نتيجة للوحدة يقول في قصة: " الحمد لله أنني أحمق" ص: 51.
" في حمقي الوارف اللذيذ، لا أسرق ولا أحتال ولا أظلم أحدا ولا أحدث أحدا إلا نفسي".
*أفلاطون يصل متأخرا؛ سعيد موزون، منشورات رونق؛ الراصد الوطني للقراءة، الطبعة الأولى 2018