الإلياذة البغدادية للمغربي عبد الله اتهومي

سيد جمعة : الإلياذة البغدادية للمغربي عبد الله اتهومي


 

الكتاب و لعله الأول في محتواه الداخلي من حيث القصيدة مُتعددة المقاطع التي تتكون من صورٍ لأحداثٍ تمزجُ الماضي العتيق بأحداثهِ الفعلية، وأساطيره المتوارثة عن الصراع الأبدي بين الخير والشر، ومن خلال رموزٍ وأسماء تُدلل علي واقعية القصة أو الحدث، وتصوير المنتصر والمنهزم، وضحايا الصراع الدموي من أجل الحرية و الخلاص من العبودية و الطغيان وديكتاتورية وطغيان رموز الشر يأتي بذلك كله مازجا إياهُ شاعرنا وفناننا القدير / عبد الله اتهومي  ..  مع الأحداث والوقائع المعاصرة المشابهة بل المُتطابقة مع مثيلاتها القديمة والعتيدة منذ بزوغ فجر الحياة وكتابة تاريخ هذا الصراع، و المؤلف اختار بغداد رمزا  لوحشية هذا الصراع في معركة الخير و الشرِ مع  نهايات القرن الماضي و بدايات القرن الحديث، حيث تغول الصراع و صارت أظافره و مخالبهُ وليدة المنتج الأخير من وسائل الدمار الشامل الهابط من السماء والزاحف من  صحاري وتلاِل الأرضِ و شطآن البحارِ والخلجان؛  حيث شبههُ في قصيدتهِ  بــ "  الحديد و البشرٍ المُجنز " ، شرٍ يجتثُ منابع الحياة بتلويث الأنهار و سحق قامات الرجال بتدنيس أحرار النساء من خلال السبيّ و الاغتصاب، ناهيك عن سرقة الثروات الطبيعية كالنفط، وحرق الزراعات بتدمير الأرض نفسها وما عليها من إنسان، وحيوانٍ وطيرٍ، وتدمير البنى  التحتية والإنشاءات المعمارية الشاهدة على العلم و الفن، وقبل ذلك كلهِ الموروث الثقافي المخزون في المتاحف والقصور بُغية تحقيق المهانة والشطب والإزاحة لمساهمات بلدٍ تشهدُ أرضه وصخورهِ، بنقوشاتِها عن عُمق وقِدم الإسهامات العراقية في تاريخ البشرية تضارعُ إن لم تتميز عما قدمهُ آخرون علي سطح الكرة الأرضية .


 

إن ملحمة ما حدث للعراق أرضا وشعباً، استطاع كاتبنا القدير مِن خلال قصيدة إلياذية البناء تضاهي أي ملحمة شعرية مسبوقة ؛ فهي لا تخضعُ لِبناء القصيدة الحديثة أو الكلاسيكية النمطية، بل تعيدُ لنا نمطاً تراثياً موروثاً يحملُ من الحكى ما يحملهُ وما يُشابههُ دون أن يُقلدهُ ومن حداثة القصيدة المنثورة ما يُجاوزها 

ولا يتلفعُ بإذارها، ولولا صعوبة النقل من صيغة الـ "ب يدي إف" المرسلة لي لنقلتُ نماذج منها هنا لاستكمال هذه القراءة؛ ولعل هذا من الرائع و المُكمل لنضج واختلاف المحتوي و تميزهُ؛ فكانت إضافات الكاتب للوحاتٍ تشكيلية لفنانة قديرة هي الفنانة والشاعرة العراقية المُتميزة / أمل دارجي  & والفنان التشكيلي العراقي أيضا / محمود شاكر نعمه، وكلاهما كانت لوحاتِهما تعبيراً تشكيلياً يُعاضد الملحمة من ناحية وهنا يَكمنٌ  حُسن الاختيار فتكتمل وحدة البناء والمضمون الذي بدأهُ الكاتب بعنوان " بغداديات " مع اللوحة البصرية  لِغلاف بالإضافة للمرجع و أسماء الشخصيات والأماكن، وهذا يُحسبُ للكاتب؛ أما اللوحات فهي ثبتٌ أخر تكتمل به الملحمة الإلياذية من خلال أعمال بصرية راصدة لِمشاهد الصراع الدموى الذي سقط فيهِ الضحايا البريئة مع تهاوى الدلالات الرموز و الأيقوانات الدالة على أرض وساحة الدمار التي حاصرها أشرار العالم، وصمت فيها للأسف صوت الحق، وصوت العدل، بل وسكت  فيها صوت الإنسان الحر حين تقاذفته الطموحات البائسة وخشية الغرق في آتون نيران فوهات التهديد التي تكاد تطبقُ عليه من السماء والأرض وتركلهُ إلى جحيم الفناء غرقاً في محيطٍ يتأججُ بنار بركان ! 

 اللوحات و السرد الملحمي لِما حدث لعراقِنا كتابٌ يُضيف لِمكتباتنا ولأجيال قادمة ما يبعثُ ويُجدد  حَميةُ الثأر للهوية العربية كاملة ونموذجها العراق، لاستعادة قوة حضارتنا وماضينا العريق، و يشحذُ همم  الشباب بعد إدراك أسباب ما حدث والإفادة منهُ وإزاحة مواطن الضعف التي أدت إلي ما حدث بِمرارته.

 هذا الكتاب أراهُ مرجعاً أدبياً من خلال هذا المحتوي المُتكامل كلمةً وصورة .

تحياتي للمشاركين في إخراج هذا الكتاب على صورتهِ الرائعة.

ناقد تشكيلي وأديب مصري

12 / 11 / 2019 م   

 

 اللوحة للفنان التشكيلي العراقي علي عبد الكريم

تم عمل هذا الموقع بواسطة