د. محمد عباس محمد عرابي : الانزياح الدلالي
*مجموعة ( طيف أميرة )
الانزياح ظاهرة أسلوبية يعنى بها الّنقد الألسني الحديث، فهو من أهم الظواهر التي يمتاز بها الأسلوب الشعري عن غيره؛ لأّنه عنصر يميز اللغة الشعرية
ويمنحها خصوصيتها وتوجهها، فالانزياح له تأثيرات فنية جمالية وبُعد إيحائي بديع على المتلقي.
وتقوم شعرية الأدب من جملة ما تقوم على الانزياح؛ لأن الأدب والشعر خاص في استعماله للغة، إذ يحاول استغلال كلّ طاقاتها المعجمية والصوتية، التركيبية والدلالية ومن تواشج هذه العناصر تنبعث الوظيفة الجمالية، فكان البحث متعّلقًا برصد جوانب شاعريةِسامي أبوبدر من خلال الانزياح الدلالي في ديوانه طيف أميرة.
وسيحاول هذا المقال تناول الخصائص المتميزة عبر فحص البنى الأسلوبية في الانزياح الدلالي في ديوان طيف أميرة، كمحاولة اكتشافه بغية مقاربة تحاول أن تكشف عن كنوز النّص ورؤى الشّاعر، وفيما يلي نتناول أبرز ملامحه، من خلال دراسة العنوان، السياق الشعري للغة الديوان.
دراسة العنوان واستراتيجية العنونة عند سامي أبوبدر: حيث يتم الحديث عن البنية الأيقونية (غلاف الديوان)، ومن خلال قراءتنا لغلاف ديوانطيف أميرة للشاعر سامي أبوبدر يّتضح جليا أن الغلاف عبارة عن لوحة فنية للأميرة وطيفها في عفتها ووقارها وتطلعها وتأملها في الأفق، منتظرة عودة المحبوب، والمحبوبة وإن فرقت الغربة بينها وبين محبوبها؛ فإن طيفها لا يفارقه، وقد اشتمل الغلاف على معظم الألوان بمهارة فائقة، وجعل الخلفية خضراء، واللون الأخضر: لون النمو ولون التجديد. فهو يُجدِّد الطاقة المستنفذة، ويساعد على الاسترخاء، وهو لون القدرة على الحب والعطاء.
أما عن البنية الدلالية للعنوان؛ بالتأمل في العنوان الذي اختاره سامي أبوبدر لديوانه نجد أنه قد استعمل عنوانا معبرًا عن قصائد الديوان (طيف أميرة )فهو وإن اغترَب عن وطنه (محبوبته مصر) فطيفها لا يفارق خياله، فعنوان الديوان رمزي معبر عن مشاعره تجاه وطنه.
السياق الشعري للغة الديوان:
ما يلاحظه القارئ في قصائد ديوان طيف أميرة، هو أن لغتها ترتد في قاموسيتها المعجمية والتركيبية والدلالية إلى مرحلة حيوية من مراحل الشعر العربي الحديث، تّتخذ من المنعطفات الوطنية والعاطفية موضوعا لتجربتها التشكيلية، مع أن هناك تفاوتا بين الشعراء في تمّثل تلك الموضوعات والتعبير عنها، فثم شعراء منهم الشاعر سامي أبوبدر ، يعبرون عنها بلغة شفافة تتراءى من خلالها الأحداث، وآخرون يعبرون عنها من خلال تجريبهم في دلالات اللغة والثقافة، فتأتي لغة قصائدهم ركامية ذات مستويات خطابية متعددة .
والمعنى السياقي للعبارة ينشأ نتيجة لمعاني الألفاظ التي تكونها، وكذلك بناء على صحة بنية العبارة ومدى إقامتها وِفقًا لقواعد استخدام الألفاظ وقواعد التركيب.
ولذلك تبدو في نصوص سامي أبوبدر _جليا_ تقنية الفصل بين الجمل رغبة منه في إثراء الخطاب الشعري، وتهيئة للنص للانفتاح على آراء القراء، فيحضر في هذا النص موقف الشاعر عبر سياقات عديدة منها، فنجده يستخدم عبارات مثل: وإليك يا ترنيمة العشق المباح، وأنت حدائقي الغناء، والأرض التي ألهو على ألحان ضحكتها، وأنت الحب والذكرى ) كّلها عبارات تتجاوب مع السياق العاطفي .
فالشاعر سامي أبوبدر كغيره من الشعراء يؤكدون في أشعارهم على ثنائية الحب والوطنية، وهي جدلية تتكرر في الكثير من الأشعار حتى أصبحت من سمات الشعر، لما فيها من غايات تخص الملقي أولاً، لرغبته في الانزياحات التي تبعد الملل عن المتلقي، وتستبدله بجذبه وتشويقه، مما يجبره على قراءة النّص بكثير من التمعن والإدراك، لذلك يستخدم الشاعر تركيبة متنوعة من المفردات والجمل تنتمي كّلها إلى السياق العاطفي (إني أحبك فاعلمي، وإليك يا ترنيمة العشق المباح، والحنين إليك، على ألحان ضحكتها، وأنت الحب والذكرى، فإني عشت مفتونًا بذكراك، وأنت يا ملاذ الروح، وشدت على قلبها في هيام رباطًا من العشق، لأجلك تحلو الحياة، فأنت بخاطري ناي وعزف، أحببته فاستباح الحب قافيتي، إني منحتك عشقًا)
لقد استخدم الشاعر سامي أبوبدر ألفاظًا ذات دلالات جديدة، وهذه الدلالات مفهومة من السياق اللغوي والتركيب الذي نسقها فيهما، والموقع الذي اختاره لها.
*عضو اتحاد كتاب مصر