ضمير عبد اللطيف : " القاتل الأشقر " .. البطل الإشكالي ورحلة البحث عن الذات
يحضى البطل الإشكالي في أي رواية بمكانة مرموقة، فهو الذي تدور حوله الأحداث، وهو المتحكم والناسج لكل مجرياتها، يعرف الخبايا والأسرار، يحمل بين طياته الرمزية، والقيم وكل ما يزخر به المجتمع، ويبدأ بترجمتها عبر أحداث الرواية، فنعرف بذلك منطلقاته وطريقة تفكيره والدوافع التي جعلته على هذا الحال، فقد يكون شخصا بسيطا لا يحمل أي صفة من صفات البطولة، فيتحول إلى بطل قومي خارق بفعل الظروف المحيطة به، أو ترسبات ما عاشه في طفولته، وظل راسخا في ذهنه ، ولربما أراد التخلص منه، بإظهار قوته ونفض الغبار عن الضعف الذي لازمه خلال فترة معينة من حياته، وغالبا ما تكون فترة الطفولة.
الإنسان لا يتحول من حالة إلى حالة أخرى، إلا إذا كانت هنالك دوافع تحمله على نزع عباءة الماضي وارتداء حلة جديدة مصنوعة على مقاس تجاوز مخلفات الماضي الذي عاشه، وهذا ما سعى إلى توظيفه كاتبنا المميز طارق بكاري في روايته "القاتل الأشقر"، من خلال التركيز على شخصية واحدة كان لها النصيب الأكبر في تدوير أحداث الرواية، وتشابك قضاياها المعقدة، طارق جعل من هذه الشخصية المغربية الباحثة عن نفسها في عالم متغير، أنموذجا حيا يعيش بيننا وفي مجتمعنا العربي الإسلامي، ويخلق كل يوم ليكون عالة عليه، لا ليساهم في تقدمه، وهنا لا يمكن أن نلقي اللوم فقط عن البطل الإشكالي لوحده، دون تحميل اللوم والعتاب للمحيط والمجتمع، ومخلفات ذلك، دون التقليل من دور الدولة التي لم تحتوي مثل هؤلاء وتوفر لهم مستلزمات الحياة حتى لا يكونوا عرضة للانحراف.
شخصية الرواية "القاتل الأشقر"، أعطت تشويقا كبير للعمل الأدبي المميز، خاصة وأن القارئ لا يكتشف الشخصية دفعة واحدة، أو منذ البداية، وإنما يكتشف ذلك كلما توغل عبر فصول وأحداث الرواية، ليكتشف أن هذا القاتل الأشقر مجرد لعبة في يد القدر، الذي أراده أن يكون على هذا النحو، وأنه مفعول به فمنذ ولادته وجد نفسه يعيش بين عرمرما من الخيبات والويلات، يعيش ما بين الخيبة والألم الذي يعتريه ويعتصره صباحا مساء، ويريد التخلص منه كلما أتيحت الفرصة لذلك.
يبدوا أن الروائي طارق بكاري أراد أن هذه الشخصية المثيرة للجدل منطلقا أساسيا من أجل التطرق إلى الكثير من القضايا التي يردح تحت رحمتها المجتمع المغربي، مركزا بشكل كبير جدا على القضايا التي تهتم بالوجود والحياة والحب والجنس، المواضيع الأكثر حساسية والتي يتطارحها المغاربة بشكل يومي ولها أكثر من نتائج على الأفراد والجماعات، وترسم خارطة العديد من الشباب، كما تطرق صاحب الرواية إلى تناول موضوع مهم ودراسته بعمق والذي يتمثل في التطرف وتنظيم داعش، كاشفا اللثام عن أسباب هروب الشباب ومن بينهم البطل الإشكالي إلى تنظيمات والقتال إلى جانب جماعات دون التفكير في المصير أو النتائج التي عادة ما تكون سلبية.
البطل الإشكالي هنا يخرج من واقعه ويتمرد عليه باحثا عن مجد رجولي يمنحه شخصية جديدة غير التي رافقته منذ ولادته، هذه الشخصية التي عاشت في بيئة غير سوية وعامرة بالمشاكل والخيبات، تلجأ إلى خارج البلاد لتصنع شخصية أخرى أحداث، هناك حيث يلتقي العرب بجميع أطيافهم، شخصيات من مختلف المجتمعات العربية تشارك هموم الحياة بطريقة متشابهة، يتقاسمون الويلات والخيبات من جميع الجوانب، شخصية الأشقر ستبدأ حياة جديدة هناك في سوريا بعدما تعرف على الصحفي اللبناني وليد معروف، الذي بدأ النبش في الحياة الخاصة بالبطل الإشكالي.
البطل الإشكالي والذي ظهر بثوب البطل، وكان له دور البطولة في نسج الأحداث وصيرورتها، فإن الراوي الرئيسي للأحداث يظل الصحفي اللبناني وليد، بعد أن تعرفا إلى بعضهما البعض في تنظيم القاعدة ببلاد الشام والعراق، الذي كان يعرف كل شيء عن المغرب وعن المواضيع التي تؤثر على حياة الناس وتدفع بهم إلى التطرف.
وليد كانت له زيارة إلى المغرب لإنجاز تقرير حول قضية الدعارة لصالح قناة أجنبية ليقرر إعادة فتح الموضوع من جديد عن طريق شخصية القاتل الأشقر.