الحسين أيت بها:” وإذا الأحلام وئدت” .. سردية تحتفي بالشخصيات الهامشية
تعتبر رواية ” وإذا الأحلام وئدت”[1]، للروائي المغربي الشاب صلاح الدين أقرقر من الإبداعات التي لاقت قبولا طيبا لدى شريحة من القراء الشباب عبر ربوع المغرب، لأنها لامست واقع المجتمع المغربي، وأنصتت لمعاناة الشباب وأحلامهم الموءودة، لأنهم وببساطة يتواجدون في بلد أشبه بمقبرة لدفن الأحلام ووأد الطموحات.
هكذا إذن يسافر بنا السارد لنكتشف خبايا نفسيات شخوصه الهامشية وهي تحرك خيوط لعبة السرد لتعطينا صورة عن جوانب من حياتهم الاجتماعية، ولعل الشخصية الأولى البارزة هي شخصية الأستاذ رشيد الذي يعيش حياة هامشية هناك ليدرس في قرية بائسة سنوات عدة، ويكون حلمه البسيط قضاء نزوة عابرة مع عشيقته حليمة، وكأنه هنا أناني يفضل مصلحته وإشباع رغبته على أن يهتم بقضايا الوطن.
وكذلك شخصية الطالب حسن التلميذ والشاب الصغير أو شخصية “البوهالي” فيما بعد، الذي يصبح حلمه البسيط المتمثل في الحصول على وظيفة حلما مستحيلا. ليكون أقصى ما يفعله هو امتهان عمل مؤقت متمثل في بائع متجول وهو يجر عربة خضراوات، لكي يتمكن من جمع ماينفق به على أبويه المريضين ودراسته، ليصبح حلمه المؤجل مقبورا وموءودا. بسبب تدهور أوضاع البلد، واحتضاره سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. لتتكشف الأحداث شيئا فشيئا فيتضح أنها أوضاع مرتبطة بما يسمى زحف الربيع العربي ضد الأنظمة المستبدة التي عمرت لسنوات وهي تعيث في الأقطار العربية فسادا وتعشش لتبيض مستبدين جدد حولوا حياة الشباب وأحلامهم البسيطة إلى جحيم وأجساد لجثث تعيش على أمل التغيير وترزح تحت وطأة الفقر والتهميش والبطالة. فكان حسن واحدا من هؤلاء الشباب، الذين اكتووا بنيران تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، بل يمكن القول على أنه سيجارة احترقت أحلامها في مقبرة النسيان.
هذا الشاب البسيط بإمكاناته المحدودة وحلمه البسيط سيتحول فيما بعد إلى شخص مجنون، يلقبه أناس القريةب” البوهالي “وهي الشخصية الأكثر درامية في القصة والتي كشف عنها المتن السردي للرواية. وهو نفسه الشاب حسن الذي تأزمت وضعيته وتدهورت، بعد وفاة أبيه وفقد مسكنه، فيهيم على وجهه، ليلتحف بجسده رصيف شوارع المدينة فتقوده الظروف ليتعرف عليه الأستاذ رشيد ويحكي له قصته الحزينة. ثم يجده تلاميذ الأستاذ رشيد ميتا في الوادي.
حيكت رواية “وإذا الأحلام وئدت ” بأسلوب ماتع محبب للقراء، ولغة سهلة سلسة مباشرة تحكي واقع الشخوص بدون تعقيد أو غموض، أحداث بسيطة تحاكي اهتمامات الشخصية التي تؤثث عوالم الرواية، فتكبر الأحلام الصغيرة في نفوس الشخصيات منذ الطفولة وممثلها في الروايةحسن وكمال، الصديقان اللذان لايفترقان، أنظر إليه مثلا وهو يقول:
” كانوا أطفالا ولكن أحلامهم كانت كبيرة لاتتسع بها قلوبهم الصغيرة”[2]. يكبرون فتكبر أحلامهم وطموحاتهم، يسلك كل واحد منهم طريقه الخاص، فيواجه مصيره بمفرده، ويتحمل تبعات أفعاله وحده.
يكشف لنا النموذج العاملي للرواية، عن بنية من الرغبات تحكم العلاقة بين الذات وهي الشخصية المحورية حسن في سبيل سعيها نحو تحقيق الموضوع الذي هو: الحصول على وظيفة بسيطة، لكن عوامل أخرى تمنع من ذلك فتكون بمثابة معيق أو عامل معارض، ومن بين هذه العوامل نذكر مرض الأب والأم ووفاة الأب، والفقر الذي يعيشه البطل دفعه نحو الاستسلام للواقع المعيش والرضى بالواقع عن طريق اتخاذ وسيلة شرعية للكسب الحلال ومحاولة إنقاذ العائلة من الضياع الأمر. لكن فداحة الواقع حالت دون ذلك، لتمنع البطل من تحقيق الرغبة وتقتل حلمه البسيط، رغم عوامل مساعدة تتمثل في حالة التفاؤل التي تنتابه وهو يعيش على وقع ثورة شبابية داخل حركة 20 فبراير التي كانت تطمح للتغيير.
فتكون الخطاطة كالتالي:
المرسل ( الواقع المتأزم) _________ المرسل إليه ( المستقبل: العيش الكريم).
الذات ( البطل حسن). _________ الموضوع( حلم الوظيفة).
المعارض( قلة الحيلة وفاة الأب). _______ المساعد( الأمل والتفاؤل).
هكذا إذن كشف لنا المتن السردي لرواية” وإذا الأحلام وئدت” عن شخصيات هامشية منسية، تتفاعل مع أحداث الربيع العربي الذي اكتسح البلدان العربية، فكان للمغرب قدر منه، لتختفي فجأة كأنها سيجارة انطفأت بعد أن انتهى منها صاحبها وألقى بها في مهاوي النسيان. شخوص حاولت أن تغير الواقع، ليتضح أنها كانت مجرد ورقةانتخابية لمرحلة انتقالية عابرة.
المصادر:
” وإذا الأحلام وئدت”. صلاح الدين أقرقر، مؤسسة الرحاب الحديثة، للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2018، بيروت لبنان.
*كاتب مغربي.