صرخة تمزج بين الشعر والفن

لحسين أيت بها : " بغداديات"  صرخة تمزج بين الشعر والفن


*مقاربة لكتاب بغداديات للمبدع الشاعر عبد الله أتهومي

في إحساس مرهف، وتوق شديد، ومروءة نادرة، يطالعنا شغف فني، وإبداع شعري لشاعر وفنان ومثقف، إنه الأستاذ عبد الله أتهومي، يستنطق اللوحات الفنية، يكشف عن أعماق الجرح العربي، بتوثيق الزمان والمكان، والحدث شعرا وفنا، في مقابل بعث الحقائق، وكتابتها من جديد حتى تكون سجلا خالدا للأمة، وتذكرة حاضرة لأبنائها جيلا جيلا، تلك كانت بصمة شاعر وناقد للأوضاع التي عاشها العراق في مطلع القرن الواحد والعشرين...

إذ يظل الشعر لسان الأمة فيواكب الأحداث التي نعتبرها جزء من ضمير الأمة الذي لا يغفل أحداث التاريخ، فيحيلها إلى سجل تغمره أسرار الذات الإنسانية بكل حمولتها الوجودية، ففي حالة الحرب، تهتز بغداد عاصمة العراق على إيقاع حرب دامية غادرة فتحيلها قفرا، ويستشهد منها رجال ونساء، وما أكثر القتلى من الأطفال، بأياد أمريكية مغتصبة، فيشردون ويقتلون ويذبحون في مسلسل إجرامي لا نهاية له...

وكان الهدف من ذلك هو إذلال العرب وإخضاعهم، وإبادة نخبة مزهرة من أجيالهم، وتدمير حضارتهم العربية القديمة قدم التاريخ، والتي تشهد على عظمة الحضارة العربية، بل إن بغداد تظل مركز الخلافة، والمثل الأعلى في التعليم والإبداع والاختراع وسائر مجالات العلوم، شاعرنا أيضا نهل من علوم بغداد وعاش فيها فترة مزهرة من حياته، فحاول ترجمت هذا الاهتمام إلى كتابين رائدين في الفن و الشعر....

"إن  مهمة الناقد أن يميز عناصر النجاح من عناصر الإخفاق، وأن يكشف عن العلة في كل منها، وأن يقيد كل تجربة فنية، أو غير فنية نجمت في تلك الفترة، وهنالك شيء لا ينكشف دائما في يسر، وعلى الناقد أن يتبينه مدركا وهو أن لكل أديب قانونه الخاص في التقدم والتطور الذاتي، وعلى الناقد أن يترك له حرية الحركة في السبيل التي يختارها في العمل الذي يسعى لتحقيقه"[1].. 

منذ الإطلالة الأولى تطالعنا لوحات لفنانين عراقيين، يمزجون بين الألوان حتى يقومون بتجسيد الألم والأمل في سلام يلملم شمل العراق، ويخلصه من آثار الحرب الدامية ونتائجها السلبية...

 

يسجل الشاعر على صفحات كتابه "بغداديات"، متابعات شعرية وميدانية لكل الأحداث التي وقعت في العراق في هذه الفترة، وذلك بحس فني متميز، ففي ثنايا الكتاب لوحات لفنانين عراقيين، في جمالية مصاحبة لإيقاع القصائد القوية وحماستها الملهبة، ففي قصيدته من نسيان إلى نسيان، يكتب الشاعر عن مدينته الأرض الخراب بغداد:

إلى بغداد حمامة عادت

على الضفتين، سقطت

لها، طفلة احتضنت 

بابلية الأصل من قلب الأمل انبعثت

 تلك كانت صرخة إبداعية فبغداد حمامة، وتاريخها الطويل يشهد، سفر في القصيدة في أمل بعثها بتساقط المطر، أن يرجع وجه بغداد صفحات تاريخها المشرق. وتلك لوحات تؤرخ عند الرجل لأمل سيبعث، أحداث دامية انهيار الحضارة، سقوط تمثال يشهد، إنه الفنان العراقي: محمود شاكر نعمة.

يتردد صدى الأسى والحزن عند الشاعر في قصيدته مشت الإبل حين اكتمل البدر:

من قلب بغداد طلعت

من ملتقى الرافدين سطعت

بين النهرين قوة بقيت

بين دجلت والفرات 


إلى الأمام نظرت[2]

إنها نصوص شاهدة على الغزو العراقي، سنة 2003، كتبها الشاعر عند رؤيته صورة الطفل علي، إنه يكتب عن هذه المعاناة ماذا يفعل إذن؟ وحدها الكتابة هي من تجعل هذا الحدث يبقى في الذاكرة، رفقة لوحة أخرى للفنانة أمل الدراجي، وصورة للطفل علي مؤلمة جدا..

 معلقة طويلة موغلة في تشخيص الأزمة، وسمها شاعرنا بالعنوان الآتي: مشت الإبل حين اكتمل البدر، تلك مأساة أمة بأكملها تجسيد معاناة الطفل علي، أرفقها الشاعر في أمانة مثالية بلوحات الفنانة المبدعة العراقية أمل دراجي، كلها دقيقة ومعبرة، وتدوينات كتاب ونقاد ومهتمين، دلالة على عظمة إنجازات الشاعر المتميز عبد الله أتهومي، ومتابعاته الراقية لكل ما تطرحه الساحة من أحداث سياسية وعربية على الخصوص.  


 ـ كارلوس بيكر، من كتاب نازك الملائكة الشعر والنظرية، عبد الجبار داود البصري، دار الحرية للطباعة بغداد 1981ص: 4.[1]

- عبد الله أتهومي، بغداديات، ذاكرة النسيان،الجزء الثاني، الدار البيضاء، طبعة جديدة... [2]


*ناقد مغربي

تم عمل هذا الموقع بواسطة