الحسين أيت بها : طقوسيات مكان
*جزيرة الذكور : ذات ممزقة تحتفي بطقوسية المكان الجنائزي
جزيرة الذكور واحدة من الروايات القلائل التي أثارت زوبعة مؤخرا،لأن صاحبها لامس عمق بنية المجتمع الأمازيغي،وجس نبض المجتمع وطريقة عيشهم،
إذ لا يمكن دراسة: جزيرة الذكور ،دون الإتكاء على منهج اجتماعي،واقعي،يملك نظرة واعية للمجتمع ،لذلك فنقد الرواية يستلم استنطاق وقائعها،يقول الأستاذ إدريس الناقوري: ” إن النقد الحقيقي لا يكافح ضد أشخاص بل ضد وقائع”[1]،
وقائع تظل عالقة بالذاكرة والفرد فتتجلى تمظهراتها في الأدب،كتأثير إيجابي يرفع من مكانة وقيمة الإنسان ويسمو به،هكذا
إذن تسمو الرواية بكاتبها وتحتفي به في غيابه، بل تجعل منه شخصية عظيمة فينظر جيل شبابي لم يسبق له أن عاش تلك الفترة الذهبية من مرحلة الثمانينيات، كان لزاما علينا أن نتحدث عن أهمية المكان في هذه المقالة، التي ستعرفنا على حقيقة رواية جزيرة الذكور؛المثيرة للجدل.
إن القارئ لرواية جزيرة الذكور يلمس عن كثب حالة التشظي التي تعيشها الذات الساردة بل وتمزقها، وهي الذات المتمثلة في شخصية إدريس بما يحمله من تضحيات وحب لوطنه، وأمام هذا السعي لاكتشاف الذات وحقيقة الإنسان،يظل السارد في سباق مع نوازع الذات لسبر أغوارها في نفس سردي منقطع النظير،فتظهر شخصية إدريس الأستاذ والإنسان المحب لوطنه الغيورعليه رغم العراقيل والإكراهات،وانسحاق الذات وانشطارها في زحمة الحياة وحالةا لفراغ التي يعيشها والمتولد عن شخصية الأستاذ المركبة.
هكذا إذن يطرح السارد أسئلة وجودية كبيرة عن معنىا لإنسان والكرامة والحياة……
تتموقع الذات في فضاء مكاني ضيق، نتيجة التصاقها بالوطن، فيصبح ذلك الحب سجنا لصاحبه، يضيق شيئا فشيئا،فتتجلى مظاهره في سلوكات الذات وهي تمتحن في مواقف عصيبة. يقول لسارد وهو يواصل تحديه: ” لم يستسلم،أحب وطنه وقبل يديه الكريمتين، وقرر أن يواصل الرحلة حتى لو ضربته الأبواب الصغيرة في كل بقاع العالم”[2].
شاخ المكان في جزيرة الذكور، وبرزت تجاعيد الزمن، فبدت الوجوه طاعنة في السن، لاحت منها ذاكرة وتاريخ وعبق المكان، وهي شاهدة على تفرد جزيرة الذكور التي هي: شبه قروية، وشبه جزيرة على حد تعريف الكاتب، الذي أفاض في وصف لجزيرة، وبعباراته هذه يقحمنا في أجواء تجعلنا نعيش الطقوسية. هذه الطقوسية التي اختلطت فيها مشاعر اللغوي والديني والقبلي،
نلمس من خلال دراستنا للرواية أن فيها نقد صريح لواقع مؤلم عاشه في جزيرة الذكور، بالرغم من رضاه التام عن كل شيء في بدايات عمله في الجزيرة كمدرس فلسفة، نتيجة عاطفة جياشة اتجاه الوطن،وحبه له؛لتمعن الشخصية في إيهام نفسها بأن كل شيء على ما يرام، أنظر إليه مثلا وهو يتحدث عن الوطن، وإرادته القوية في تغيير مظاهر البؤس فيه؛” أدرك إدريس أنه من الواجب تنظيف مراحيض كل الوطن “[3]
هكذا إذن فرضت قضية تنظيف وتطهير الوطن من كل النجاسات نفسها على إدريس رمز التغيير، ليجد نفسه صاحب قضية، قضية تهم الوطن بأكمله، ملتزم بها، يناضل من أجلها حتى الموت، وهي قضية كافح من أجلها طويلا،ولعل أبرز موقف يؤكد ذلك هو وقوفه في وجه الحاج موحا الذي استأسد على أهل الجزيرة وكان عميلا لفرنسا ثم محتالا يسجل أسماء وهمية لمطالبة فرنسا بالتعويضات، لكن البطل عاد يجر أذيال الخيبة لأنه وجد نفسه يصارع لوحده في مستنقع من الجهل والأمية. ثم عاد إدريس من جديد إلى أبناء الوطن، ليبعث في نفوسهم الأمل،وبناء شخصيات قادرة على التفكير والنقد البناء والحرية، لكي تستطيع التمرد والقضاء على الخبث والجشع ومحاربة الجهل والظلم الذي رسخه الحاج موحى بغطرسته الذكورية، هو وسلالته.
ثم تطغى الهيمنة الذكورية في قرية جزيرة الذكو روهو الأمرالذي أكده السارد وهو يحكي تمسك أهل البلدة بعاداتهم وتقاليدهم ولباسهم التراثي المتمثل في الجلباب التقليدي، والعباءة، لتصل إلى الحد الذي يعتبر فيها لأجنبي منبوذا، ينظرإليه الناس والدهشة تملأ وجوههم للباسه العاري، فيتجنبه الجميع ويرغبون في عدم مصافحته، ونموذجه هو المفتش وزيرالفلسفة.
جنائزية المكان في جزيرة الذكور وقضية الأطفالا لأشباح أعطت للسرد رونقه وجماليته وهي لعمري قضية مثيرة كان فيها السارد أقرب إلى عالم اجتماع منه إلى روائي، رواية سيطرت فيها اللكنة الأمازيغية التعريفية بالأسماء الأمازيغية للمكان، فأعطت للسرد قيمته التاريخية والفنية، رواية هي أقرب إلى السؤال الاجتماعي والفلسفي منه إلى الأدبي، رواية تحكى للأجيال وتنبههم للخطرالمحدق بهم، ولضرورة محاربة الجهل والفضيحة والعار، وإحلالا لحق والقانون، والحرية التي هي رهينة المسؤولية، وهي قطعة ذهبية أوكتابة جميلة لجيل ذهبي، ولكاتب كبير اسمه عزيز بنحدوش.
المراجع:
ـ جزيرة الذكور،ص: 31 عزيزبنحدوش،دارأبي رقراق للطباعة والنشر،منشورات مرسم،الطبعة الثانية،أكدال الرباط.
ـالمصطلح المشترك دراسات في الأدب المغربي المعاصر،ص: 4،ادريس الناقوري،الطبعة 1،دارالنشرالمغربية،بتاريخ 31 أكتوبر 1977
المصطلح المشترك دراسات في الأدب المغربي المعاصر ،ص: 4، ادريس الناقوري، الطبعة 1، دار النشر المغربية، بتاريخ 31 أكتوبر 1977
[2]جزيرة الذكور، ص: 31 عزيز بنحدوش، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، منشورات مرسم، الطبعة الثانية، أكدال الرباط.
[3]جزيرة الذكور، ص: 42
*كاتب مغربي