مجموعة " رصاص وسكر " .. بدايات تستشف منها الذات شاعريتها الفياضة

لحسن أيت بها : المجموعة الشعرية رصاص وسكر للشاعر: محمد بادو: بدايات تستشف منها الذات شاعريتها الفياضة

يتحسس الشاعر محمد بادو إلهامه الشعري، وبداياته في معانقة الكلمة، بأمل يحذوه في بلورة مشهد الحياة المعتم، الضباب الرمادي المكثف الذي يحدثه وقع الرصاص، متوغلا بذاته في أحداث العصر، الانفصام العربي، والحصار الفلسطيني، التشظي الذي يجعل الذات تنشغل بقضايا، يئس منها الزمن، وأحالها إلى ذكريات من الانكسارات والهزائم قد لا تندمل مع تواليها وتزايدها، استهلال شعري يحاكي فيه، صوت الرصاص، همس الرصاص، حبر الرصاص:

وصوت الرصاص 

ظل ينادينا

متى نضم المجد؟ونيران أرعبتناوعيون خلقت لترى النورظللتها النوايامشاهد تجعل للصخوردموعا وخلايا[1] 

المجموعة الشعرية في طبعتها الأولى 2019م، من إصدار جامعة المبدعين المغاربة وقد أحاطها رئيسها السيد محمد اللغافي مشكورا وباقي أعضاء الجامعة، بعنايتهم الفائقة...، فظهرت في حلة جميلة، أما لوحة الغلاف: فهي للفنان العالمي محمد سعود، في 98 صفحة، من الحجم المتوسط، أما لون الغلاف، فهو أقرب إلى الأخضر مائل إلى اللون الرمادي، كتعبير عن معاني الرصاص، وهو معدن متداخل الأجزاء، لين، رمادي اللون إلى زرقة...  

من خلالها استجمع شاعرنا أنقاض ذاته، عن طريق البوح الميتافيزيقي بعمق المأساة، يجعل الذات تفشي بالأسرار الكامنة وراء هذا الوعي العربي، يحدث المفارقة بين الرصاص والسكر، أمل الذات أن تعانق طموحات المستقبل، الوصول إلى النهاية المنشودة، وفي خضمها أن تنهض الأمة العربية من رقادها، و وهادها، لتتخلص من شرورها وفتنها، إنه يحاول أن يطهر الذات لتسموا إبداعا تتحرر من الطغيان والاستبداد، الذاكرة التي لا تمحى من الوجدان...

 

 فإذا عرفنا الشاعر يستحضر فلسطين، فلابد أنه استحضر فيما استحضر شعراء المقاومة، وحده درويش يفتنه بأسلوبه، فيقتفي الشاعر خطاه،  يرثي فلسطين فيقول في قصيدة بعنوان من بعدكم فلسطين:

ظن جهلهم أنك ميت

وستترك فلسطين

 

ظنوا أنها ميتة

فمن المكذبين

يظنون موتك وروحك منبت الياسمين

يظنون موتك وروحك تحيي الملايين

 
كيف تموتين وفيك القديسين؟[2] المجموعة الشعرية رصاص وسكر محملة بمعاني مرتبطة بذات الشاعر قلقه الوجودي، وأفكاره المبعثرة، أحاسيسه المستمدة من وعي قومي، تفننه في بعث أصوات الرصاص لتعبر عن جمرة الأسى، أسى الذات محاولة لتحسس كل ما هو أحلى، سكر يستسيغ الحياة، تلك الحياة التي أحالها الرصاص إلى جوانب مظلمة، مذاقها مر، ليقابلها من جهة سكر يحلل تذوقها....
إنها محاولة لرد الاعتبار لذات تلمس الطريق نحو المستقبل، البحث عن الأمل، عن الضوء الذي يقود إلى الشاعرية الفياضة، آمل أن لا تنتهي عند هذا الحد، ذلك الأسلوب المستشف من أساليب كبار الشعراء، "إن الشعر الحقيقي يولد في الصمت والعتمة والتواضع لا في الضوء الباهر، وإعلان الحروب في غير مكانها، وتصدر الكرنفالات، والشاعر الفذ هو من يضيف إلى ما أنجزه الآخرون دون أن يفجره أو يلغيه"
[3]... 

 محاولة للفهم والاستزادة من الثقافة، العب من الشعر قراءة وثقافة وإبداع..
أعتبرها محاولة موفقة بلغة سهلة محملة بالدلالة، مفعمة بالشاعرية، يحضر فيها إرهاف الحس، وخفة الروح، وعذوبة الألفاظ، يقلل الشاعر من الروابط ما أمكن، لكي يزيد من شاعرية الجملة، حتى لا تعد نثرا خالصا، يستفيد أكثر من لازمة التكرار بشكل يخدم ترسيمة المعنى، بلا تفريط ولا إفراط، التجربة حاضرة، تزيد أكثر من وهج القصيدة، لكن القدرة على تطويع اللغة جلي أكثر، محاولة للإمساك بأساليب شتى، النهل من تجارب سابقة في الكتابة، تنويعات إيقاعية موفقة، محاولة من الشاعر من أجل اكتناه إرهاصات المرحلة تجاوزها لتعبر عن أفكار عدها حلما يبقى قابلا للتحقق....

لا تسأليني لماذا تأخرت 

أفتش عنك أسائل الندى عنك

أسائل عنك الفراشات.

أبحث عنك بين الزهور

أسائل عنك ملكت النحل

ربما صرت عسلا

دبت في الشفاء

 
أسائل عنك القمر.[4] 

وفي الأخير لابد لي من الإشارة إلى جرأة المحاولة، وتميزها، بلغة راقية صافية، واضعة الدلالة، استمتعت بتأملها، خلجات سامية بديعة لشاعر نأمل أن يواصل الكتابة، أن يسكن في وعيه هاجس الاستمرارية، أن يكون ملاحا يبحث عن أصدافه في بحر اللغة ومحيطات الشعر المترامية، فيعثر على ضالته ويسبر أغوار حلمه...




المراجع المعتمدة:

1- رصاص وسكر، محمد بادو جامعة المبدعين المغاربة، الطبعة الأولى 2019م.

2- الشعر العربي المعاصر في المغرب، أحمد بلحاج آية ورهام، ط 1 المطبعة  الورقية الوطنية، مراكش،2010م.


-رصاص وسكر، محمد بادو جامعة المبدعين المغاربة، الطبعة الأولى 2019م، ص: 10. [1]

- رصاص وسكر، محمد بادو، ص: 17.[2]

- الشعر العربي المعاصر في المغرب، أحمد بلحاج آية ورهام، ط 1 المطبعة  الورقية الوطنية، مراكش،2010م، ص: 25.  [3]

-  رصاص وسكر، محمد بادو، ص:86.[4]


*كاتب مغربي 


تم عمل هذا الموقع بواسطة